“عقيدة المعقولية”.. معنى وتاريخ القانون المثير للجدل في إسرائيل

عقيدة المعقولية.. معنى وتاريخ القانون المثير للجدل في إسرائيل
تشهد إسرائيل العديد من الجدليات القانونية التي تمتد على مدار تاريخها القصير. ومن بين هذه القوانين الجدلية التي تتحدث عنها اليوم، نجد “عقيدة المعقولية”، وهي قانون يثير الكثير من الجدل والتوتر في المجتمع الإسرائيلي.
تعود أصول عقيدة المعقولية إلى الثمانينيات، حيث كان النقاش مستمرًا حول حاجة الدولة لموازنة الحاجات والرغبات المتعددة لجميع فئات المجتمع، مع وجود موارد محدودة. في عام 1992، تم تبني عقيدة المعقولية بشكل رسمي وإدراجها في القوانين الأساسية للبلاد.
عقيدة المعقولية هي أساس لتحديد القرارات المالية والميزانيات في إسرائيل. فهي تلتزم بتوزيع الموارد بطريقة عادلة ومتوازنة، وذلك من خلال مبدأ المساواة بين جميع المواطنين. ومن هنا جاءت العقيدة بأن يتم اعتبار الحكم القضائي القائم بضرورة تحقيق المنفعة العامة ومن ثم إيجاد التوازن بين المصالح الخاصة والعامة، وتفعيل القيم الأخلاقية في أداء المؤسسات العامة.
يعتبر القانون المثير للجدل من خلال عقيدة المعقولية أساساً لصنع القرارات بشأن الموازنة والحكومة الإسرائيلية، وذلك لتحقيق التوازن بين مطالب الفئات المختلفة في المجتمع. إلا أن العديد من النقاد يشككون في فعالية وتنفيذ القانون الذي يتفق مع المبادئ الأخلاقية ولكنه يمكن أن يعرض بعض الفئات للتهميش.
في الواقع، يعتبر العقيدة أساسية في دستور إسرائيل، وتعتبر قوانينها الأساسية تشريعًا مهمًا للأمور المالية في البلاد. ومع ذلك، يعتبر البعض أن هذا القانون مجرد أداة لتبرير استمرار التمييز والتفضيلات لبعض الفئات الاجتماعية، خاصة اليهود المتدينين والمستوطنين. النقاش حول عدالة القانون ومدى تحققه للتوازن بين المصالح العامة والمصالح الخاصة لا يزال مستمرًا.
ومن أمثلة الجدل الذي تسببت به عقيدة المعقولية هو مسألة الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ففي ظل هذا القانون، يحق للحكومة الإسرائيلية تخصيص موارد مادية لبناء المستوطنات المستوفية لشروط المعقولية في الأماكن التي تخضع للسلطة الفلسطينية. مما أثار موجة من الانتقادات على المستوى الداخلي والدولي، حيث يشعر الفلسطينيون أن هذه المستوطنات تمثل عائقًا أمام حل الدولتين المطلوب دولياً.
في الختام، نجد أن عقيدة المعقولية تعتبر قانونًا مثيرًا للجدل في إسرائيل، حيث يتعارض وجهات النظر بشأنه بين مؤيديه ومعارضيه. فالبعض يرون فيه انعكاسًا للعدالة والمساواة بين جميع المواطنين، والبعض الآخر يرون فيه أداة تبرير للاستمرار في التفضيلات والتمييز. وفي النهاية، يتطلب هذا القانون إعادة النظر في إطار عام، بحيث يتم تطويره وتعديله لتحقيق التوازن بين المصالح العامة والخاصة لجميع فئات المجتمع في إسرائيل.
وافق الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي، اليوم الاثنين، على تشريع جديد ضمن مشروع الإصلاح القضائي المثير للجدل، والذي من شأنه أن يحد من قدرة المحكمة العليا في البلاد على مراجعة “معقولية” القرارات الحكومية.
و”حجة المعقولية” هي البند الرئيسي الأول في الخطة التي تبنتها الحكومة الإسرائيلية اليمينية بقيادة بنيامين نتنياهو، والتي واجهت معارضة واسعة النطاق لهذا المشروع، بما في ذلك من الولايات المتحدة.
على مدى الأشهر الستة الماضية، خرج مئات الآلاف من المواطنين الإسرائيليين، في بلد يبلغ عدد سكانه أكثر من تسعة ملايين نسمة، إلى شوارع تل أبيب وغيرها من المدن الكبرى في نهاية كل أسبوع للاحتجاج على هذا المشروع.
وكان وراء صياغة بند “المعقولية” عضو الكنيست من الائتلاف الحاكم سمحا روثمان، وهو مقترح أقرته لجنة الدستور والقانون والقضاء في الكنيست بداية الشهر الجاري بعد 9 جلسات خلال الذي تم إعداد النص النهائي لهذا التعديل المثير للجدل.
وفي 11 يوليو/تموز، صادق الكنيست على القانون بالقراءة الأولى بأغلبية 64 صوتا مقابل 56، فيما تمت الموافقة على القانون يوم الاثنين بقراءته الثانية والثالثة، وهي خطوة ضرورية ليصبح قانونا نافذا.
ويعتقد نتنياهو وحلفاؤه أن الإصلاح القضائي سيقلل من تجاوزات القضاة غير المنتخبين في قرارات الحكومة المنتخبة من قبل الشعب.
في المقابل، يعتقد النقاد أن المشروع سيزيل الضوابط والتوازنات المهمة التي تدعم الديمقراطية الإسرائيلية.
ما هو شرط “المعقولية”؟
وتطبق العديد من الدول “مبدأ المعقولية” في أنظمتها القضائية، بما في ذلك المملكة المتحدة وكندا وأستراليا، بحسب شبكة “سي إن إن”.
ويشيع استخدام هذا المبدأ من قبل المحاكم لتحديد دستورية أو شرعية بعض التشريعات، ويسمح للقضاة بالتأكد من أن القرارات التي يتخذها المسؤولون الحكوميون “معقولة”.
وفي إسرائيل، يلغي هذا البند إمكانية قيام المحكمة العليا بفحص “معقولية” قرارات الحكومة.
وبموجب القانون الجديد، ستتمكن الحكومة من تعيين وإقالة مسؤولي القطاع العام دون تدخل المحكمة.
وقبل صدور هذا القانون، كانت المحكمة العليا تمارس الرقابة القضائية على عمل أجهزة السلطة التنفيذية المختلفة، ممثلة في الحكومة ووزاراتها وأجهزتها الرسمية.
ومع ذلك، فإن التعديل الجديد سيمنح الحكومة سلطة أوسع لتعيين القضاة أنفسهم، ويؤثر بشكل خاص على تعيين الوزراء.
وفي كانون الثاني/يناير الماضي، أجبر قرار المحكمة العليا نتنياهو على إقالة الحليف الثاني الرسمي والأكثر ولاء في الحكومة، أرييه درعي، الذي أدين بالتهرب الضريبي بعد حكم من المحكمة العليا.
وبحسب صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، فقد اكتسب هذا البند أهمية كبيرة في البلاد بعد أن أقالت المحكمة العليا درعي الذي كان وزيرا للصحة والداخلية.
وجاء أساس إقالة أحد حلفاء نتنياهو بعد إدانة درعي ثلاث مرات بتهم جنائية وفشله في مناصبه العامة السابقة في “خدمة الجمهور بأمانة وبشكل قانوني”، بحسب الصحيفة نفسها.
وقال الباحث البارز في المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، أمير فوكس، إن معيار “المعقولية” يشير إلى التوازن بين المصالح السياسية والعامة في صنع القرار.
لذلك، فإن القرار “غير المعقول” هو القرار الذي “يركز بشكل غير متناسب على المصالح السياسية دون مراعاة كافية لثقة الجمهور وحمايته”، قال فوكس لصحيفة “هآرتس”.
ما هو تاريخ “المعقولية”؟
إن استخدام معيار “المعقولية” كأساس لإلغاء قرار حكومي له تاريخ طويل في القانون البريطاني، وهو جزء من النظام القانوني الإسرائيلي منذ تأسيس الدولة عام 1948، بحسب فوكس.
كان للقانون العام البريطاني خلال فترة الانتداب (1920-1948) تأثير كبير على تطور القانون الإسرائيلي، بما في ذلك معيار “المعقولية”.
خلال تلك الفترة، أدخلت سلطات الانتداب البريطاني القانون الإنجليزي في الإطار القانوني للأرض التي أصبحت فيما بعد دولة إسرائيل.
النظام القانوني في إسرائيل مستوحى من القانون اليهودي (الهلاخاه)، والقانون العام البريطاني والمبادئ التي تبنتها الأنظمة القانونية الغربية الأخرى، وفقًا للجنة اليهودية الأمريكية (AJC)، وهي منظمة عالمية للدفاع عن الشعب اليهودي.
وتقول هذه المنظمة إن القانون اليهودي له تاريخ طويل في التأكيد على “المعقولية والعدالة” في اتخاذ القرارات القانونية.
إن مبدأ “derech eretz” بالعبرية (ويعني طريق الأرض) في الشريعة اليهودية يشمل السلوك الأخلاقي والسلوك المعقول، فهو يوجه الأفراد إلى التصرف بطريقة عادلة وعادلة ومراعية للآخرين.
وقال الباحث فوكس إنه بينما كان نادرا ما يستخدم خلال العقود الأولى من تاريخ إسرائيل، فقد تم تطبيق معيار “المعقولية” بشكل متكرر في الثمانينيات والتسعينيات.