نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
البرامج الجامعية القصيرة والتمكين الثقافي - شوف 360 الإخباري, اليوم الاثنين 26 مايو 2025 10:15 مساءً
كلنا نعلم أن المقوِّمات الثقافية تُعدُّ من أعظم الركائز التي تستند عليها المجتمعات في طريقها نحو النهضة والتنمية والتطوُّر، فالثقافة ليست ترفًا كما يعتقد الكثيرون، ولكنها الإطار الجامع الذي يمنح مشاريع التطوير معناها الإنساني والاجتماعي، إذ تُعبِّر عن الهوية الوطنية، والذاكرة الجمعية، والمعتقدات والقيم، والعادات والتقاليد، والإنجازات الحضارية التي تراكمت أو تتراكم عبر الزمن، ومن دون الأطر الثقافية، فإن غالب عمليات التحديث أو التطوير تفتقر إلى الجذور التي تمنحها الشرعية الشعبية والقابلية المعنوية.
وانطلاقًا من هذا الفهم العميق، أولَت مملكتنا السعودية الثقافة والترفيه عناية بالغة، ربما لا نظير لها في العالم العربي والإسلامي إلا قليلًا؛ فالثقافة أحد الأسس التي اتكأت عليها رؤية السعودية، حتى غدت تلك الرؤية مشروعًا وطنيًّا شاملًا لإحياء الموروث، وتحفيز الإبداع، وصناعة المستقبل، ولهذا السبب، أصبحت التجربة السعودية في المجال الثقافي والترفيهي مثار إعجاب وتقدير عربي وعالمي، حيث نجحت في الجمع بين الأصالة والتجديد، وزاوجت بين الهوية المحلية والانفتاح على العالم.
وتأتي مبادرة البرامج الجامعية القصيرة MicroX كأحد أهم الأدوات لتأهيل الكفاءات الشبابية الوطنية، في كافة المجالات لا سيما الثقافية؛ كي تكون جزءًا فاعلًا في هذا التحوُّل؛ فهي لا تكتفي بتقديم المعارف الأكاديمية، ولكنها تسعى لبناء جيل من المهنيين والمبدعين القادرين على إدارة وتطوير المشاريع الثقافية والترفيهية، مما يُعزز من حضور الثقافة السعودية على الساحتين: العربية والعالمية.
ولعل تمكين الشباب من فهم أدوات الإنتاج الثقافي، وتقنيات الترفيه الحديثة، وسبل التعبير الفني، يُعد أحد أهم مفاتيح المستقبل؛ لأن ذلك التمكين يجعل من الثقافة قوة إنتاجية لا تقل عن الصناعة والتقنية، ويمنح المجتمع السعودي قدرة فائقة على التعبير عن نفسه وعن هويته، وصياغة صورته في الداخل والخارج بمختلف الوسائل الممكنة، ومن هنا، فإن دعم هذا القطاع عبر التعليم النوعي والبرامج القصيرة المعتمَدة هو استثمار مباشر في هوية الوطن المتجذرة، وحضور التاريخ وذاكرة الإنسان، ورؤية المستقبل الواعد.
لكن، وقبل ذلك، من المهم أن نعرف أن مبادرة البرامج الجامعية القصيرة تعتبر إحدى الأدوات الوطنية الفاعلة لتنمية رأس المال البشري، وقد أُطلقت ضمن برنامج تنمية القدرات البشرية أحد البرامج الأساسية لتحقيق رؤية المملكة العربية السعودية 2030، حيث تهدف المبادرة إلى إتاحة برامج أكاديمية قصيرة، معتمدة ومرنة، تُمكِّن المواطنين من اكتساب مهارات تخصصية عالية الجودة، تعزز جاهزيتهم لسوق العمل وتفتح لهم آفاقًا جديدة في مجالات واعدة، وبالطبع كان قطاع الثقافة والترفيه أحد تلك القطاعات ذات الأهمية في البرنامج.
ولعل مكمن الأهمية في جانب الثقافة والترفيه راجع إلى أن هذا القطاع يُعدُّ من أكثر القطاعات التي شهدت تحولًا نوعيًّا في المملكة خلال السنوات الأخيرة، حيث أصبحت الثقافة جزءًا أصيلًا من الهوية الوطنية، كما غدت صناعة الترفيه رافدًا اقتصاديًّا حيويًّا، ومن هذا السياق، فإن المبادرة تسهم في إعداد كفاءات وطنية قادرة على قيادة هذه الصناعة المزدهرة، من خلال برامج تعليمية متخصصة ومواكبة لأحدث الاتجاهات في مختلف أنحاء العالم.
ويمكننا أن نؤكد أن هذه المبادرة تُقدِّم برامجها عبر الجامعات السعودية في مجالات متنوعة ترتبط مباشرة بالثقافة والترفيه، من قبيل إدارة الفعاليات والمهرجانات، وإنتاج المحتوى الإعلامي والرقمي، والفنون المسرحية والموسيقية، وإدارة المتاحف والمعارض، إضافة إلى تسويق الصناعات الثقافية والإبداعية، والتصميم الجرافيكي والمرئي، والابتكار في تجارب الزوار والسياح.
kaidiومما يجعل هذا القطاع أكثر حافزيةً كون هذه البرامج تُصمَّم بالتعاون مع جامعات مرموقة وخبراء من القطاع؛ لضمان أن تكون مرتبطة بسياقات العمل على أرض الواقع، وتلبِّي الحاجات العديدة لمشغلي المسارح، أو دور السينما، والمهرجانات، وشركات الإنتاج الثقافي.
إن أحد أهداف هذه المبادرة في دعم القطاع الثقافي والترفيهي بناء الكفاءات الوطنية القادرة على قيادة التحوُّل الثقافي، من خلال تأهيل الشباب والشابات للعمل في مجالات الإبداع والإنتاج الثقافي، وتحفيز ريادة الأعمال الثقافية من خلال توفير برامج تساعد المتعلمين على إنشاء مشاريعهم الثقافية الخاصة، عبر البرامج قصيرة المدى التي تركز على التطبيق العملي أكثر من التنظير، فضلًا عن تعزيز فرص التوظيف في قطاع قابل للتوسع في السنوات المقبلة، لا سيما مع تزايد عدد الفعاليات والهيئات الثقافية التي نشهدها في السعودية منذ سنوات.
وربما كانت القيمة المضافة لهذه المبادرة صناعة البرامج المرنة، مما يسهم في تعزيز فرص المتعلم لسوق العمل، أو تحسين مساره الوظيفي بشكل أسرع من ذي قبل، مع الاعتماد الرسمي، وهذا الأمر قد يكون مُهمًّا لدى كثير من الشباب العاملين في هذا القطاع، حيث تصدر الشهادات من الجامعات السعودية المعتمدة، ما يمنحها مصداقية لدى جهات التوظيف، إضافة إلى قابلية التجميع التي يمكن للمشارك من خلالها بناء مساره الأكاديمي تدريجيًّا، وتطوير مؤهله العلمي بشكل تراكمي، وكذلك إمكانية التعلم الرقمي؛ تسهيلًا على الراغبين في الانضمام، إذ يُقدَّم عدد من تلك البرامج عبر المنصات الإلكترونية التفاعلية، مما يجعل الوصول إليها متاحًا من مختلف مناطق المملكة.
وإذا ما نظرنا إلى الأثر المتوقع من خلال هذه المبادرة فإنه مع استمرار التوسع في هذه الصناعة -الثقافة والترفيه- ومع استهداف المملكة جذب ملايين الزوار سنويًّا عبر الفعاليات والمهرجانات، تصبح الحاجة إلى الكوادر المؤهلة ضرورة وطنية، وبتوفير مثل هذه البرامج الجامعية القصيرة يمكن أن تُسهم في تأهيل منظِّمي الفعاليات الثقافية بشكل أكثر احترافية ومهنية، ودعم الإنتاج الإبداعي المحلي، وكذلك تمكين المرأة في المجالات الفنية والثقافية، وتحفيز المحتوى السعودي ذي الهوية التي تعتز بالمحلية من جهة، وتخاطب العالمية من جهة أخرى.
ويمكن أن نضرب عددًا من الأمثلة على فرص العمل التي تدعمها هذه البرامج، حيث يمكن أن نرى أخصائي الفعاليات الثقافية مثالًا جيدًا على ذلك، وكذلك مدير إنتاج المحتوى الثقافي والترفيهي، أو مصمم الوسائط المتعددة في المجال الثقافي، إضافة إلى مسؤول التسويق، وإدارة الجماهير للفعاليات، أو حتى خبير العلاقات العامة في المجال الثقافي والفني، أو مثال مطوِّر التجارب الثقافية والترفيهية والسياحية التفاعلية، وغيرها من الأمثلة التي يمكن أن تخطر على البال.
في الختام أقول: إن مبادرة البرامج الجامعية القصيرة ليست مجرد مشروع تعليمي، وإنما استراتيجية وطنية لتجسير الفجوة بين الطموحات الثقافية والواقع المهني، ومن خلال دعمها لقطاع الثقافة والترفيه، فإن المبادرة تُسهِم في تمكين الشباب السعودي من أن يكونوا صُنَّاعًا للهوية الوطنية الجديدة، وروَّادًا في تصدير الإبداع السعودي إلى العالم.
أخبار ذات صلة
0 تعليق