الأغلبية المستبدة والأقلية المتسلطة - https://chof360.com/

ميديا 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الأغلبية المستبدة والأقلية المتسلطة - https://chof360.com/, اليوم الاثنين 26 مايو 2025 11:35 مساءً

لا توجد حكومة ديمقراطية اليوم يمكن أن تزعم أنها ممثلة لشعبها مئة بالمئة. في المقابل: لا توجد حكومة تفصح أن شرعيتها تُستمد من خارج الإرادة العامة لشعبها. كقاعدة عامة: الإرادة العامة، التي هي إرادة الأمة ممثلة في الأغلبية المطلقة (٥٠٪ + ١)، على الأقل، مُتفق أنها تمثل الأمة في نظام سياسي يسمح للمعارضة، التي لم تحصل على ذلك النصاب (الكمي) من الإرادة العامة، أن تجرب حظها (سلمياً) في فرصة قادمة، لتتقلد السلطة.

الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو (١٧١٢ – ١٧٧٨)، يجادل: أن الأغلبية المطلقة تمثل: إرادة الأمة.. وأن عدم وجود إجماع على نخبة سياسية بعينها تمثل الأمة، في فترة زمنية بعينها، لا يعني عدم وجود إرادة عامة تشمل الأمة بأسرها. الأغلبية، في رأيه، تمثل إرادة الأمة، التي هي أساس الشرعية السياسية للحكومات. فالإرادة العامة، من وجهة نظره، لا تخطئ. فإن تَجَسُّدَ الإرادة العامة في نخبة سياسية بعينها لا يتطلب حصولها على ثقة الإرادة العامة، بصورة مطلقة. بل إن الإرادة العامة للأمة تكون هنا ممثلة بالأغلبية والأقلية معاً. لذا في الحكومات الديمقراطية تشارك المعارضة في الحكم بتمثيلها الأقلية، بينما تتقلد الأغلبية السلطة، بحكم حصولها على ثقة الأغلبية.

بالتالي: تكون المعارضة متمتعة بشرعية الوجود السياسي، كما أن الأغلبية تتمتع بشرعية الحكم. الاثنتان (الحكومة والمعارضة) تمثلان معاً معادلة الحكم المعبرة عن الإرادة العامة للجميع، في فترة زمنية محددة، دستورياً، لبقاء الحكومة في السلطة والأقلية في المعارضة. هذه المعادلة المتوازنة لشرعية الحكم، في مجتمع ما، هي أساس الاستقرار السياسي، بوصفها حلاً لمعضلة استقرار الحكم، التي تحاول النظرية السياسية (تاريخياً) إيجاد حلٍ لها.

في تنظيم حركة السلطة بين الحكومة والمعارضة (الأغلبية والأقلية) يكون المجتمع السياسي في كيان الدولة القومية الحديثة قد وصل إلى معادلة الاستقرار السياسي لنظام الحكم، بوسائل سلمية منظمة، عن طريق آلية التداول السلمي للسلطة، بعيداً عن شبح الصراع (التاريخي) العنيف على السلطة. آلية التداول السلمية للسلطة هذه هي التي تحدد مستوى التنمية السياسية بمختلف درجاتها وأشكالها، من مجتمع لمجتمع آخر. وتبقى الخيارات مفتوحة لأي مجتمع سياسي في أن يختار ما يلائمه من نظام سياسي بعينه، يتحكم من خلاله الاستدلال إلى توجه الإرادة العامة، سواء كان النظام السياسي المختار برلمانياً أم رئاسياً أم شبه رئاسي أم نظام الجمعية الوطنية، أو حتى أي نظام سياسي آخر يعكس التعددية السياسية في المجتمع، حيث تكون السيادة دوماً للإرادة العامة.

في المجتمعات الأقل نمواً، من الناحية السياسية، مثل مجتمعات الجنوب، التي يطلق عليها مجتمعات العالم الثالث، الإرادة العامة لا تحدد مجالها معايير سياسية مرنة، بقدر ما تعكس تعددية غير سياسية، تحدد مجال حركة صراع الأغلبية والأقلية، ضمن خطوط حاسمة، غير متسامحة، ثقافية وطائفية وقبلية وعرقية ودينية، وليس معايير سياسية واضحة متسامحة، كالمعايير المجتمعية والاقتصادية والتنموية والأيديولوجية الخدمية، حيث يُسمح بمرونة كافية، لتقبل المعارضة ضمن أي نظام سياسي عصري، تتحدد شرعيته بآلية التداول السلمي للسلطة، تنعكس من خلاله الإرادة العامة (سلمياً)، بكل شفافية وتسامح وثقة.

من أجل هذا الخلط بين التعددية السياسية والتعددية غير السياسية تطورت وتكرست مشكلة الأقليات، ولم يتطور الحراك السياسي في تلك المجتمعات الأقل نمواً، تجاه تطور ثقافة ليبرالية متسامحة، تفرق بين الأغلبية والأقلية، في أنظمة سياسية مرنة ومتسامحة، تنظر للسلطة ليس من خلال حركة الصراع العنيف، وربما الدموي عليها، بقدر محاولة استئناس حركة الصراع هذه وتطويعها بهدف إزالة الحدود الحمراء الفاصلة لتحديد مجال حركة كلٍ من الأغلبية والأقلية، بتطوير آلية سلوكية سلمية كمية (الانتخابات) لتحديد موقف الإرادة العامة بجدارة بين جناحي السلطة (الأغلبية والإقلية).

kaidi

من هنا تسيطر مظاهر عدم الاستقرار السياسي في مجتمعات الجنوب، مقارنة بمجتمعات الشمال. في مجتمعات الشمال (الديمقراطية) تتناوب الأغلبية والمعارضة على السلطة عن طريق المنافسة الحرة السلمية وصولاً إلى الحكم والبقاء فيه أو الخروج منه، دون أن يترتب على ذلك أي شكل من أشكال محاولات «اغتصاب» السلطة العنيفة، بعيداً عن خيارات الإرادة العامة الحرة.

كما نلاحظ: عدم الثقة بين محاور التعددية غير السياسية، في مجتمعات الجنوب، ليتفاعل صراع عنيف على السلطة، لا تشعر فيه الأقليات بالأمان إلا بالاستحواذ على السلطة، والاستماتة في البقاء فيها.. بينما الأغلبية تشعر بما يشبه الحق السرمدي في الحصول على السلطة والبقاء فيها، دونما حاجة لأخذ مواقف الأقليات واحتياجاتهم وضمان حقوقهم الطبيعية والمكتسبة، التي من أهمها المشاركة في السلطة.

لهذا السبب الهيكلي الخطير لم تتطور أنظمة سياسية مستقرة في كثير من مجتمعات الجنوب، بينما تسود مظاهر الاستقرار السياسي، وما يترتب على ذلك من تقدم في جميع أوجه التنمية (السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والعلمية والتكنولوجية) في مجتمعات الشمال المتقدمة.

أخبار ذات صلة

 

قدمنا لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى هذا المقال : الأغلبية المستبدة والأقلية المتسلطة - https://chof360.com/, اليوم الاثنين 26 مايو 2025 11:35 مساءً

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق