ميزريت الإثيوبية تواجه كفيلتها في أول قضية جنائية في لبنان بتهمة الإتجار بالبشر والاستعباد: "أنا مبسوطة ومرتاحة" - شوف 360 الإخباري

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
ميزريت الإثيوبية تواجه كفيلتها في أول قضية جنائية في لبنان بتهمة الإتجار بالبشر والاستعباد: "أنا مبسوطة ومرتاحة" - شوف 360 الإخباري, اليوم الأربعاء 28 مايو 2025 05:10 مساءً

حين وصلت ميزريت هايلو  إلى لبنان في عام 2011، كانت تحمل في حقيبتها أحلاماً بسيطة، وقلباً مفعماً بالأمل. تركت خلفها بلداً أثقلته الأزمات الاقتصادية، وأتت تبحث عن فرصة لحياة كريمة تُنقذ بها أسرتها من الفقر. كانت تتخيّل أن الحياة هنا ستكون بداية جديدة، وأن تعب الغربة سيؤتي ثماره، لكنّ ما عاشته كان كابوساً لم تفلت منه إلا بعد سنوات.

 

تحوّل لبنان إلى سجن طويل الأمد. في المطار، انتُزع جواز سفرها كما تُنتزع الحرية. وفي بيت كفيلها، سُجنت من دون قضبان، ممنوعة من الخروج، من الاتصال، من الراحة. لأكثر من ثماني سنوات، تحمّلت ميزريت صنوف الإذلال والاستعباد، وتعرضت للتعنيف الجسدي واللفظي، فيما ظلّ راتبها محتجزاً طوال سبع سنوات. كانت تصحو على وجع، وتنام على خوف، حتى تمكّنت أخيراً من الفرار في أيلول/سبتمبر 2019، عائدة إلى إثيوبيا وهي تجرّ خلفها خيبات موجعة وجراحاً لم تندمل.

 

بعد خمس سنوات، عادت ميزريت إلى لبنان، لكن هذه المرة بشجاعة امرأة قرّرت أن تواجه مَن أساؤوا إليها. وقفت في داخل قاعة قصر العدل في بعبدا لتروي قصتها أمام القضاء اللبناني، في خطوة غير مسبوقة، لتصبح أول عاملة مهاجرة في لبنان والمنطقة ترفع دعوى جنائية تتهم فيها مشغّلها بالاستعباد والإتجار بالبشر.

 

قضية "ميزريت هايلو ليست مجرد نزاع قانوني. إنها مرآة لعشرات القصص الصامتة التي لا تزال عالقة تحت وطأة نظام الكفالة، حيث تُسلب العاملات المنزليات أبسط حقوقهن، وتُحتجز كراماتهن في داخل البيوت. وتبقى الآمال معلّقة اليوم بأن تكون قضية "م.ه." حافزاً لدفع السلطات اللبنانية نحو إصلاح حقيقي، يُنهي منظومة الكفالة ويستبدلها بإطار قانوني أكثر عدالة وإنصافاً للعاملات المهاجرات. 

 

ميزريت من لبنان: شعرتُ بالقوة

في 20 تشرين الأول/أكتوبر 2020، خرج صوت خافت إلى العلن. خطت منظمة " Legal Action Worldwilde (LAW)، أولى خطواتها في مسار قضائيّ غير مسبوق، بتقديم دعوى قضائية بالنيابة عن العاملة الإثيوبية ميزريت  أمام القضاء اللبناني، لتُفتح بذلك صفحة جديدة من قصّتها. 

 

في 27 أيار/مايو، عُقدت الجلسة المنتظرة في قصر العدل في بعبدا، حيث كان الجميع يترقّب لحظة المواجهة بين ميزريت وكفيلتها. لم تكن جلسة عادية في سجلّ القضاء اللبناني، بل خطوة جريئة تُدشّن مساراً جديداً في مقاربة قضايا العبودية المعاصرة والانتهاكات بحق العاملات المنزليات.

 

خرجت ميزريت إلى باحة قصر العدل في بعبدا وعلى وجهها ابتسامة رضا وارتياح، هي التي وصلت فجراً إلى لبنان من بلدها إثيوبيا، تخرج اليوم متنصرة بمجرد وقوفها أمام القاضية ومواجهة كفيلتها التي عاشت في منزلها كابوساً طويلاً. 

 

تحمل حقيبتها الصغيرة، وبجسدها المنهك من الرحلة الطويلة وابتسامتها التي لا تُفارق وجهها، تُصارحني عن شعورها اليوم بعد سؤالي لها "أنا مبسوطة ومرتاحة".

 

لا تُخفي ميزريت هايلو أنها كانت تشعر بالخوف "كنت قلقة جداً قبل قدومي، ولكن ما أن دخلت إلى قاعة المحكمة حتى شعرتُ بالقوة. لم أخف أبداً، وكان بجانبي المحامين الذين دعموني".

 

وعن رسالتها اليوم لكل عاملة تعيش تجربة مماثلة أو وجعاً شبيهاً، تتوجه لها بكلمات واثقة "لا تخافي، بل اطلبي المساعدة وتكلّمي". 

 

ميزريت هايلو أمام قصر العدل في بعبدا (النهار)

ميزريت هايلو أمام قصر العدل في بعبدا (النهار)

 

 

كانت ميزريت تكرّر جملة واحدة بإصرار "أنا منيحة هلّق". وعندما سُئلت إن كانت ستنام الليلة مرتاحة البال، أجابت بحسم وابتسامة "أكيد رح نام". ومع ذلك تعترف بأنها لن تفكر بالعودة إلى لبنان مجدّداً، فما زالت جروحها مفتوحة بالرغم من الانتصارات الصغيرة التي حققتها بكسر الصمت والمواجهة. 

 

تُعدّ قضية "ميزريت هايلو  الأولى من نوعها التي تصل إلى القضاء اللبناني، بالرغم من وجود نحو 250 ألف عاملة منزلية يخضعن لنظام الكفالة، وبالرغم من أنه لم تتمكن أي عاملة من قبل إلى رفع دعوى قضائية تتعلق بممارسات ترقى إلى العبودية. 

 

 

ميزريت هايلو

ميزريت هايلو

 

كيف وصلت القضية إلى القضاء؟

في حديثها لـ"النهار"، تصف المحامية غادة نقولا من منظمة " الحركة القانونية العالمية" (Legal Action Worldwide LAW) اللحظة المرتقبة بأنها "يوم مفصلي" يأتي بعد خمس سنوات من المراجعات والانتظار. أخيراً، امتثلت ميزريت هايلو، العاملة الإثيوبية، البالغة من العمر 43 عاماً، أمام القضاء والإدلاء بشهادتها في قضية تحمل أبعاداً غير مسبوقة، تتعلّق بجرائم الاستعباد والإتجار بالبشر والتمييز العنصري والعنف المنهجي الذي تعرّضت له طوال سنوات عملها في لبنان. 

 

وتلفت نقولا إلى أن ميزريت لم تُحرَم من حريتها فقط، بل سُلِبت أيضاً حقوقها المالية الأساسية، إذ لم تتقاضَ أجرها لأكثر من ست سنوات. هذا الحرمان، وفق ما تقول، لم يكن مجرّد انتهاك قانونيّ، بل كسر حلماً شخصياً كانت تحمله ميزريت: أن تُمكّن شقيقها من إكمال دراسته، وأن تُحدث فرقاً في حياة عائلتها.

 

عراقيل عديدة حالت دون البتّ في القضية، تشير المحامية إليها بالقول "إن المسار القضائي شُلّ بفعل سلسلة من الأحداث المتراكمة، بدءًا من جائحة كورونا وما تبعها من إقفال عام، وصولاً إلى الإضرابات المتكررة التي شلّت الجسم القضائي، سواء من قبل المحامين أو القضاة، كما أن بطء الإجراءات في النظام القضائي اللبناني كان من العوامل الأساسية التي أطالت أمد القضية إلى خمس سنوات".

 

ميزريت هايلو وأملها في تحقيق العدالة.

ميزريت هايلو وأملها في تحقيق العدالة.

 

 

kaidi

ورغم كل الصعوبات، ترى نقولا أن هذه الدعوى تمثّل محطة مفصلية في تاريخ قضايا العاملات المنزليات في لبنان، وقد تشكّل سابقة تمهّد الطريق أمام دعاوى مشابهة في المستقبل. وأوضحت أن الخطوة اللاحقة بعد الاستماع إلى شهادة  ميزريت هي إحالة القضية على المحكمة، مضيفة "حتى لو لم تُحَلْ، فيكفينا أننا نجحنا في تسليط الضوء على نظام الكفالة ووضعه تحت المجهر، وكسرنا حاجز الصمت من خلال نزع الغطاء عن ممارسات الاستعباد التي تُرتكب بحق العاملات من قِبل بعض أرباب العمل أو مكاتب الاستقدام". 

 

وتُرجع نقولا هذا الغياب شبه الكامل للدعاوى إلى عدة عوامل متشابكة، في مقدمها تعقيدات نظام الكفالة والقضاء، بالإضافة إلى واقع العاملات أنفسهن، إذ يعملن في ظروف تقيّد حرياتهن وتضعهن تحت سلطة الكفيل المطلقة، مما يمنعهن من المطالبة بحقوقهن أو حتى من التفكير في سلوك المسار القانوني. 

 

ماذا نعرف عن نظام الكفالة في لبنان؟

من جهته، يصف المحامي هادي نخول في منظمة "Legal Action Worldwide LAW"  نظام الكفالة، ولا سيما في ما يتعلق بالعمالة المنزلية، بأنه "نظام استعباديّ بكلّ ما للكلمة من معنى". ويشير إلى أن العاملات المنزليات مستثنيات بموجب المادة السابعة من قانون العمل اللبناني من الحماية القانونية التي يوفرها هذا القانون لسائر العاملين.

 

وبحسب نخول، فإن تنظيم أوضاع العاملات المنزليات يتم خارج إطار قانون العمل، ويُقسم إلى شقين رئيسيين ضمن ما يُعرف بنظام الكفالة:

أولاً: تنظيم علاقة العمل من خلال عقد عمل موحّد خاص بالعاملات المنزليات.

ثانياً: تنظيم دخول وخروج العاملات إلى لبنان استناداً إلى قانون الأجانب، مما يربط وجودهن القانوني بكفيل لبناني، يكون في أغلب الأحيان صاحب العمل نفسه.

 

ويؤكد نخول أن هذا النظام يقيّد حرية العاملة المنزلية في التنقّل أو تغيير مكان العمل، إذ يتطلب ذلك موافقة خطية من الكفيل أو الوكيل، مما يجعل وجودها في البلاد مشروطاً بإرادة طرف واحد، ويضعها في موقع هشّ قانونياً واجتماعياً. 

تظاهرة للعاملات الأأجنبيات في الخدمة المنزلية في لبنان أمام المتحف الوطني (حسام شبارو).

تظاهرة للعاملات الأأجنبيات في الخدمة المنزلية في لبنان أمام المتحف الوطني (حسام شبارو).

 

كسر حاجز الصمت
رغم أن إحالة القضية على المحكمة لا تزال قيد المتابعة، تؤكد المحامية غادة نقولا أن الأهمية الحقيقية لهذه الدعوى لا تكمن فقط في مسارها القانوني، بل في كونها كسرت حاجز الصمت، وفتحت باب الأمل لعاملات كثيرات يعشن في الظل.

 

وتشير المحامية إلى أن "ما تحقق يشكّل سابقة محفّزة للعاملات المنزليات في لبنان على طلب الدعم القانوني ورفع الصوت ضد كلّ أشكال الانتهاكات، من استعباد وتمييز عنصريّ إلى العنف الجسدي والمعنوي، سواء من أرباب العمل أو وكلاء الاستقدام". إنها خطوة أولى نحو عدالة طال انتظارها، ومسار بدأ يُرسم بإرادة فردية وشجاعة جماعية.

 

الانتهاكات من المطار إلى المنزل

يؤكد المحامي أن نظام الكفالة يكرّس بيئة خصبة للانتهاكات التي يُمارسها بعض أرباب العمل والكفلاء بحق العاملات المنزليات. ويشدد على أن ما يحصل ليس حالة فردية تقتصر على قضية MH، بل هو واقع تعيشه الأغلبية من العاملات المنزليات المنتشرات على الأراضي اللبنانية.

 

ويوضح نخول بأن الانتهاك الأبرز يتمثل بقيام عناصر الأمن اللبناني بتسليم جواز سفر العاملة إلى الكفيل بدلاً من إعادته لها، في إجراء مخالف ليس فقط للقانون اللبناني، بل أيضاً للمعايير والاتفاقيات الدولية التي تحمي حرية وكرامة الإنسان.

 

ويُكمل المحامي سرد سلسلة الانتهاكات التي تتعرض لها العاملات المنزليات قائلاً "عند توجه العاملة إلى كاتب العدل، تُفاجأ بعقد عمل معدّ باللغة العربية من دون أيّ ترجمة، وتُجبر على توقيعه رغم جهلها التام بمضمونه".  هذا الإجراء يحرم العاملة من حقها الأساسي في فهم شروط عملها والمطالبة بحقوقها، في ظل غياب أي إلزام على الدولة اللبنانية بترجمة العقود إلى لغات تفهمها العاملات.

 

لذلك يؤكد نخول أن معالجة الفجوات في نظام الكفالة تبدأ أولاً من دور أساسي يجب أن يؤديه المجتمع المدني، إلى جانب السفارات التي تقع على عاتقها مسؤولية حماية رعاياها على الأراضي اللبنانية. كذلك يشدّد على أهمية تحرّك الدولة اللبنانية والسلطة القضائية، التي جرى اللجوء إليها في قضية MH أملاً في تحقيق العدالة لها ولسائر العاملات المنزليات في لبنان.

 

وقفة أمام قصر العدل دعماً لميزريت في قضيتها.

وقفة أمام قصر العدل دعماً لميزريت في قضيتها.

 

سابقة قانونية وبارقة أمل


وعن إمكانية تحوّل هذه القضية إلى سابقة قانونية للطعن بشرعية نظام الكفالة، يقول نخول إن الهدف الأسمى يبقى إلغاء هذا النظام بالكامل. لكنه في ظلّ وجود جهات نافذة تتمسّك به وتكرّسه، فإن الواقعية تفرض التدرّج في المسار، "علينا أن نصعد السلم خطوةً خطوة"، لأن ضرب نظام الكفالة لا يمكن أن يتم إلا من خلال خطة متعددة المسارات، تبدأ بالمسار القضائي عبر رفع دعاوى كما جرى في قضية ميزرت، التي عُرفت أيضاً بقضية MH، وتُرفَد بدعم إعلامي فاعل وتسليط الضوء على هذه القضايا" وفق ما يقول. 

 

 

 

وانطلاقاً من ذلك، يطالب نخول اليوم بتعديل عقد العمل الموحد، مذكّراً بمحاولة سابقة جرت خلال ولاية الوزيرة لميا يمين، حين تم اقتراح تعديلات على هذا العقد. لكن نقابة أصحاب مكاتب استقدام العاملات المنزليات طعنت بها، مما دفع مجلس شورى الدولة إلى وقف تنفيذ التعديلات. محاولات أخرى جرت لاحقاً في عهد الوزير مصطفى بيرم، لكنها أيضاً لم تُفضِ إلى أي اتفاق يرضي الأطراف المعنية، لتبقى حقوق العاملات المنزليات معلّقة في انتظار إصلاح طال أمده.

 

وفي هذا السياق، يوجه نخول نداءً إلى العاملات المنزليات، اللواتي غادرن منازل كفلائهن وما زلن على الأراضي اللبنانية، بضرورة اللجوء إلى الجمعيات المعنية، بهدف الحصول على الدعم القانوني اللازم وتقديم دعاوى قضائية في حال تعرّضهن لانتهاكات مشابهة.

 

فهل تشكّل قضية ميزرت نقطة تحوّل مفصلية تعيد الاعتبار لحقوق العاملات المنزليات في لبنان، وتفتح الباب أمام مراجعة جديّة لنظام الكفالة القائم؟

 

القصة لم تنتهِ بعد... ونعدكم بأن نكون العين الساهرة على فصولها المقبلة.

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق