أين تركيا وإيران وإسرائيل من الاختراق الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والسعودية؟ - شوف 360 الإخباري

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
أين تركيا وإيران وإسرائيل من الاختراق الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والسعودية؟ - شوف 360 الإخباري, اليوم الأحد 18 مايو 2025 05:10 صباحاً

هذا الاختراق الاستراتيجي في العلاقة الأميركية-السعودية والخليجية، وتلك الاستثمارات والشراكات الاقتصادية بتريليونات الدولارات التي تم التوقيع عليها، وذلك النجاح الباهر لزيارة الرئيس دونالد ترامب للرياض والدوحة وأبو ظبي التاريخية والمفصلية، كل ذلك حقق نقلة نوعية في تضاريس العلاقات الأميركية-العربية ووجّه رسائل تنبيه إلى كل من إيران وإسرائيل أحد أهم عناوينها هو: أن التلكؤ مكلف لهما وخطير عليهما لأن مركباً استثنائياً بأشرعة فضفاضة تلتحف الرياح قد انطلق إلى مستقبل من نوعٍ آخر، بهما أو بدونهما.


هذه الرسالة تم توجيهها كأمر واقع أيضاً إلى أطراف عربية في المشرق والمغرب العربي بأن الازدهار والسلام في متناولها إذا اتخذت القرارات الصحيحة، وأن الدمار مصيرها إذا تمسّكت بحروبها الخائبة وبمكابرتها السخيفة. فالشأن شأنها إذا رفضت أو تلاعبت أو ظنّت أن تذاكيها سيأتي عليها بنتيجة. أما التكلفة فستكون على شعوبها وفي النهاية على رؤوسها.

الحنكة السياسية بات لها توأم الحكمة الاقتصادية. الرؤيوية أصبحت البوصلة، والبراغماتية حلّت مكان الشعارات والمزايدات والخلافات التي أدّت إلى تآكل الشرق الأوسط. فإلى أين تبحر دول منطقة الخليج والشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هذا المنعطف؟

لنتوقف أولاً في تركيا، لكونها إحدى الدول الرئيسية في المعادلة الإقليمية لكبار الدول، والتي تضم إيران والدول العربية وإسرائيل. الرئيس رجب طيب أردوغان نسج لنفسه علاقة ممتازة مع نظيره الأميركي دونالد ترامب، وهذا مهم لأن ترامب يشخصن السياسات ويعتمد العلاقات الشخصية معياراً للعلاقات بين الدول. لكن هذا لم يأتِ من لا شيء.

تركيا أدّت دور العرّاب لإنجاز ثلاثة أمور مهمّة جداً في سوريا: أولاً، سقوط حكم بشار الأسد بسرعة هائلة وتسلّم القيادي السابق في "هيئة تحرير الشام" الرئيس الحالي أحمد الشرع السلطة بتحوّل مذهل انتهى هذا الأسبوع بلقاء له مع الرئيس ترامب وبإعلان ترامب العزم الأميركي على رفع العقوبات عن سوريا تلبية لطلب من وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وبالتنسيق مع رجب طيب أردوغان.

ثانياً، أسهمت تركيا جذرياً في إخراج روسيا من سوريا مستغلة انشغالها بالحرب الأوكرانية. وهكذا سحب رجب طيب أردوغان البساط من تحت قدمي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بضربة معلّم من الطراز الرفيع، ولا سيّما أن الرجلين تواجها أكثر من مرة أنفاً إلى أنف. إخراج بوتين وروسيا من سوريا كان بمثابة وسامٍ على صدر أردوغان تباهى به أمام قادة دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) الذي تنتمي إليه تركيا. بهذا، قدّمت تركيا أوراق اعتماد جديدة لدى أوروبا التي تكابرت عليها في السابق، ثم وجدت نفسها في امتناناً لأردوغان تصفق له لإنجازه إخراج روسيا من سوريا وتوجيه صفعة كبيرة إلى بوتين. فلولا الدور التركي، لما انتصرت قيادة أحمد الشرع في إحداث الانقلاب المصيري. وأردوغان ما زال مهندساً أساسياً في سوريا.


ثالثاً، تم إخراج الجمهورية الإسلامية الإيرانية وذراعها الأساسي في سوريا، "حزب الله" اللبناني، بصورة أنهت النفوذ الإيراني الذي قبض على خناق سوريا ودعم دعماً قاطعاً بشار الأسد بضمانات روسية-إيرانية مشتركة. هذا الإنجاز لم يُستهَن به أميركياً أو إسرائيلياً أو عربياً لأنه أقفل الطرق على الإمدادات الإيرانية الصاروخية والعسكرية إلى "حزب الله" في لبنان، ولأنه كتم أنفاس مشروع "الهلال الفارسي" الذي تبنّاه النظام في طهران أساساً لسياساته التوسعية التي تعتمد الوكلاء أذرعاً لأخطبوط التمدّد والتدخل الإيراني بدحض لسيادة الدول الضرورية لمشروع الهلال وهي سوريا ولبنان والعراق.

رجب طيب أردوغان كان غائباً حاضراً في الرياض أثناء الترتيب للقاء دونالد ترامب بأحمد الشرع بضيافة وليّ العهد السعودي الذي قدّم ترامب له علناً هدية رفع العقوبات عن سوريا. ذكاء السياسة السعودية والخليجية كان في الفهم التام بأن إعادة سوريا إلى الحضن العربي وارد فقط إذا تمت بالتنسيق والتكامل مع النفوذ التركي في سوريا.

بدلاً من المنافسة والعداء والاستياء من دور تركيا في سوريا، قرّرت الدول الخليجية أن العكس هو الأفضل علماً بأن تركيا هي التي لها العلاقات الموسّعة والعميقة مع الجماعات الإسلامية المتطرّفة، وفي وسعها إما احتواؤها أو التأثير في تطوّرها إلى جماعات غير متطرّفة تتبنّى النموذج التركي. هكذا يعد أرودغان، وهذا ما تراهن عليه أيضاً إدارة ترامب وكذلك إسرائيل إلى حدّ ما.

تركيا من جهتها رحّبت بالأدوار الخليجية، السعودية والإماراتية والقطرية بالذات، لأن أردوغان أدرك أن لا تعافي في سوريا سوى في استثمارات اقتصادية وعمليات إنقاذ اقتصادي باهظة الكلفة ليس قادراً عليها بسبب الاقتصاد التركي.

ثم إن أردوغان حسب حساباً استراتيجياً بالغ الأهمية وهو أن التقارب مع الدول الخليجية في زمن انحسار موقع إيران على الخريطة الإقليمية له فوائد جمّة على صعيد موازين القوى الإقليمية ولا سيّما في ضوء علاقة الرئيس دونالد ترامب بدول الخليج العربية. فدونالد ترامب يصوغ استراتيجية مستقبلية للمنطقة، ولقد اتخذ قراراً بالشراكة الدائمة مع دول مجلس التعاون الخليجي الست - السعودية والإمارات وقطر والكويت وعمان والبحرين.

إضافة إلى ذلك، أدرك أردوغان بدهائه السياسي أن موقعه في سوريا مفيد له أيضاً لناحية علاقاته مع إسرائيل التي تبدو أحياناً متوترة وعلى طريق الصدام، لكنها في واقع الأمر تنسيقية وتفاهمية، داخل وخارج سوريا. باختصار، تركيا "تملك" سوريا في هذا المنعطف بالتنسيق مع الدول الخليجية، في محاولة جديّة لدعم الشرع وتثبيته في الحكم.

الشرع أثبت بدوره قدرته المميزة على التأقلم وعلى التنازل وعلى صياغة الشراكات أيضاً بدهاء سياسي حكيم. خلاصة ما قدّمه لدونالد ترامب من أجل رفع العقوبات عن سوريا وإعادة إعمارها هو التعهّد بالقضاء على الجماعات المتطرّفة كداعش وغيره، والاستعداد للالتحاق بالاتفاقيات الإبراهيمية التي طبّعت بين دول عربية مثل الإمارات والبحرين وبين إسرائيل. ذلك أن المحطة السورية محورية وأساسية لاستكمال "صفقة القرن" التي تتوّج الاتفاقيات الإبراهيمية. وأحمد الشرع لم يتردد في الإعلان أن التواصل مع إسرائيل بدأ، عبر وساطة يُعتقد أنها إماراتية.

الرئيس السوري الجديد لم يسقط في دوّامة كتلك التي سقط فيها حكم الأسد عندما فشلت مفاوضات السلام مع إسرائيل بسبب بحيرة طبريا. هناك مؤشرات على استعداده لقبول شرط إقامة منطقة منزوعة السلاح في الجولان، ما يعني القفز على عقدة إن كانت مرتفعات الجولان سورية أو إسرائيلية.

kaidi

هناك جهوزية براغماتية للتحدّث بلغة فتح أبواب سوريا أمام إدارة ترامب للتنقيب عن المعادن، ولناطحات السحاب باسم ترامب. لكن التحدّي الأساسي يبقى كامناً في التالي: قدرة الشرع على لجم جدّي للجماعات التي كان ينتمي إليها، احترام حقيقي لحقوق الأقليات داخل سوريا بموجب دستور لا بوعود عائمة، تلبية المطالب المتعلقة بالسجون، وإسكات أعضاء في حكومته اعتادوا لغة المكابرة والرفض عند الحديث عن العلاقات مع إسرائيل.

سوريا كانت نجماً في القمة الأميركية-السعودية في الرياض بقرار من وليّ العهد السعودي. لبنان نال حصّته الأقل من الاهتمام لكنه كان موجوداً على لسان الرئيس الأميركي والقيادات الخليجية أجمع. فلبنان أيضاً لبنةٌ أساسية في الشرق الأسط الذي يُخلق من جديد في زمن الرغبة الأميركية لنوع من "باكس أميريكانا" في ظل سلام وتحت مظلة قيادة أميركية.

دونالد ترامب يسعى لصياغة نظام أمني في الشرق الأوسط لا يستثني ولا يستبعد أحداً. قدّم لكل من إيران وإسرائيل خريطة طريق، لكنه لم يتمكن من إقناعهما بالتسليم بما أراده قبيل أو أثناء زيارته. من هذا المنطلق يمكن القول إن زيارة ترامب كانت مذهلة اقتصادياً، وناقصة سياسياً. لا إسرائيل لبّت مطالبه، ولا الدول الخليجية تمكنت من التأثير الجذري في مواقف حركة "حماس". وبالتالي، فشل ترامب في تحقيق إنهاء النزاع في غزة.

فشل أيضاً في الحصول على مواقف من إسرائيل تقرّ بمبدأ حلّ الدولتين الذي تصرّ عليه السعودية كأساس وشرط قاطع لالتحاقها بالاتفاقيات الإبراهيمية. إسرائيل أفشلت مساعي ترامب ليكون قبطان سفينة هدنة دائمة أو معالجة جذرية للنزاع الفلسطيني-الإسرائيلي. إسرائيل، وكذلك "حماس". غادر ترامب المنطقة بلا ذلك الإنجاز، لكن الأطراف المثقلة بهذا الفشل هي إسرائيل و"حماس". إنهما عثرة أمام طموحات كل منهما وطموحات ترامب لهما. لكنهما ليسا عثرة تعوق الاستراتيجية الكبرى للشرق الأوسط، مهما تلكّآ.

إسرائيل خاسرة لأن ما أثبتته الزيارة التاريخية لدونالد ترامب هو أن الاختراق الاستراتيجي في العلاقات الأميركية-السعودية تمّ بنجاح تام بدون القبوع في ظلّ التحاق السعودية بالاتفاقيات الإبراهيمية. هذه صفعة لإسرائيل. بل أكثر، إن إسرائيل هي التي خسرت فرصة الاستفادة، اقتصادياً وسياسياً واستراتيجياً، لو لبّت المطلب السعودي والعربي المنطقي وهو: الإقرار بحلّ الدولتين والقبول بدولة فلسطينية.

هذا لا يعني أن العلاقة التحالفية بين أميركا وإسرائيل مهددة. لكنه يعني أن تلك العلاقة المبنيّة سابقاً على مبدأ الابن المدلل تغيّرت. ما حدث في الرياض هو نقلة نوعية في العلاقات الأميركية مع منطقة الخليج العربي، في إطار الترتيبات الأمنية والشراكات الاقتصادية والسياسية. ما حدث هو أن الرئيس دونالد ترامب كرّس الإقرار بالقيادة السعودية الإقليمية ممثلةً بولي العهد الذي بنى معه علاقة شخصية دافئة وعميقة. ما حدث هو مكننة العلاقات الأميركية-الخليجية، وبدء شراكات ليست اقتصادية ومالية وتكنولوجية ودفاعية فحسب، بل شراكات في السعي لحل الأزمات والنزاعات الدولية. وهذا ليس بأمر عابر وإنما هو في غاية الأهمية.

ترامب حرص على مدّ اليد لإيران فيما كان يوطّد العلاقات مع الدول الخليجية العربية التي بدورها تقوم بأدوار إيجابية للتقريب بين المواقف الأميركية والإيرانية تجنّباً لاندلاع مواجهة عسكرية بينهما. كان واضحاً في توجيه الدعوة لالتحاق إيران بمركب السلام محمّلاً بالمكافآت الاقتصادية والسياسية والاستثمارية. كان واضحاً أيضاً، أن المنتظر من رجال طهران ليس فقط معالجة الملف النووي - كما اعتقدوا وسوّقوا باستمرار - وإنما المطلوب منهم أيضاً الكفّ عن استخدام الوكلاء والأذرع والقيام بأعمال إرهابية.


إيران تلكأت وتتلكأ. من ناحية، أتى إعلان رفع العقوبات عن سوريا ليشجعها ويعطيها الأمل بأن رفع العقوبات عن إيران جديّ إذا تمت الصفقة. ارتاحت طهران إلى لغة ترامب التي ركزت على إغرائها بالمكافآت بدون التهديد الصريح بتوجيه ضربة عسكرية ضد منشآتها النووية، فاعتبرت ذلك موقفاً أقلّ صلابة لدونالد ترامب.

لكن الرئيس الأميركي لن يبقي باب التهاون والإغراء مفتوحاً إلى ما لا نهاية. يريد حقاً لإيران أن تقرّر أن الوقت حان لتعديل عقيدة النظام النووية وتلك المتعلقة بالسلوك الإقليمي ودعم الوكلاء، من الحوثيين في اليمن إلى "حزب الله" في لبنان إلى الحشد الشعبي في العراق.

ما يريده، وقد يتخذ إجراءً في شأنه قريباً، هو وضع برنامج زمني واضح، بمواعيد جديّة ونهائية لقيام إيران بإجراءات مفصّلة بنتائج واضحة بلا ضبابية. طهران تودّ الاستمرار في التملص وفي المباحثات والمفاوضات المفتوحة الأفق. إذا استمر الموقفان على هذا النهج، فهذا يعني أن كلاً منهما في انتظار الآخر لارتكاب خطأ. إيران مرشحة لتوريط نفسها لأنها تعتقد أن دونالد ترامب لن يتورّط بضربة عسكرية ضدها، مهما فعلت. وفي هذا، إن رهانها سيكون خاطئاً لأن دونالد ترامب لن يخضع لطهران لا نووياً ولا إقليمياً، إذا استفزته - وهي تفعل.

غيرة الجمهورية الإسلامية الإيرانية من بلوغ العلاقة الأميركية-السعودية والأميركية-الخليجية هذا المستوى في المرتبة الجغرافية-السياسية غيرةٌ مبررة. طهران تحسد تربّع السعودية على القيادة الإقليمية بمباركة أميركية، وبشراكة شرق أوسطية وتركية، لكن طهران مقيّدة بعقيدة عقيمة لا مكان لها في مستقبل إيران في المنطقة. لكن في أياديها هي مفاتيح التغيير والتطور.

سيعمل دونالد ترامب وفريقه هذا الأسبوع على تقويم إنجازات زيارته المفصلية والتاريخية. الأرجح أن يتحدّث هاتفياً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو بلغة صارمة ليضع أمامه واقعاً لافتاً في تطور العلاقة الأميركية مع دول المنطقة.

فالرئيس ترامب يريد صياغة استراتيجية لنظام إقليمي جديد يريد هو أن يكون في صدارته، لذلك سيحدّد ما هي الأولويات والخطط لهذه المنطقة. بالأمس، كانت الاتفاقيات الإبراهيمية الركيزة الأساسية كشرط مسبق للمضي إلى الأمام. ليس اليوم، كما أثبتت الزيارة. إنها هدف، لكنها ليست عثرة في طريق الاختراق الاستراتيجي في العلاقة الأميركية- السعودية والعلاقات الأميركية- العربية.

يبقى أمر يستحق التوقف عنده لاحقاً، وهو مشروع الشراكة الأميركية- الخليجية لمقاربة جديدة لأزمات وصراعات وحروب شمال أفريقيا. إنما هذا مشروع معقد وصعب طالما حكام تلك البقعة الموجعة يتملكهم الجشع والدموية.

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق