صناعة الرأي العامّ في الانتخابات، مسؤولية من؟ وكيف؟ - شوف 360 الإخباري

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
صناعة الرأي العامّ في الانتخابات، مسؤولية من؟ وكيف؟ - شوف 360 الإخباري, اليوم الأحد 18 مايو 2025 05:10 صباحاً

شادي ديراني 

في ظلّ الاستحقاق البلدي الذي يشهده لبنان، تتجدد الحاجة إلى تسليط الضوء على الدور المحوري الذي تقوم به القوى المجتمعية المختلفة في تشكيل الرأي العام، وبالتالي الوعي الانتخابي. فالمواطن، وإن كان هو المحور الأساسي للعملية الانتخابية، ناخباً كان أو مرشحاً، فإنّ البيئة المحيطة به، من إعلام، وأحزاب، وجمعيات، ومرجعيات دينية واجتماعية، وقادة رأي، تؤثر مباشرة على قراراته وتوجهاته. من هنا، تبرز أهمية فهم كيفية تشكّل هذا الرأي العام، ودور هذه الجهات في توجيهه. 

الإعلام: بين التوعية والتضليل

يُعدّ الإعلام الوسيط الأساسي بين المرشّحين والناخبين، وهو المسؤول عن نقل المعلومات وتقديم التحليلات التي تساعد المواطن على اتخاذ قراره. إلا أنّه كثيراً ما يتحوّل إلى أداة للترويج أو التحريض، متأثّراً بالانتماءات السياسية والتمويل المشروط. وفقاً لتطوّر عصرنا، فإنّ للإعلام دوراً رئيسياً في الديموقراطية من خلال تغطية الأحداث وإيصال المعلومة، وفي كثير من الأحيان يفشل في أن يكون حيادياً، ما يؤدي إلى تشويه الحقائق وتضليل الرأي العام. 

 

من هنا، تبرز أهمية تعزيز دور الإعلام المستقل والمهني، بالإضافة إلى دعم مبادرات التحقق من المعلومات للحد من انتشار الأخبار المغلوطة، تالياً تلافي غش الناخبين. 

الإعلام الرقمي ومنصات التواصل: صندوق اقتراع مفتوح

في العصر الرقمي، أصبحت منصّات التواصل الاجتماعي مساحة تفاعلية تجمع الإعلام والأحزاب والجمعيات وغيرها. ما يميز هذه المنصات هو الدينامية التي تمنح المتلقي إمكانية الرد والتفاعل، ما يضعف إمكانية تحكم الجهات التقليدية بالرأي العام بشكل أحادي. بهذا المعنى، تُعدّ هذه المنصّات بمثابة صندوق اقتراع مفتوح، يُدلي فيها كل فرد برأيه ويؤثر في الشأن العام بطريقة أسرع وأكثر تفاعلية. غير أن هذه الحرّية قد تُستغل لنشر الأخبار الزائفة والتضليل، وإن كان كشفها أسهل، لكنها تحرّك الرأي العام وتؤثر فيه.

الأحزاب السياسية: بين التسييس والتنمية

تؤدي الأحزاب السياسية دوراً مركزياً في الحياة الديموقراطية، إلا أنّها في السياق البلدي اللبناني غالباً ما تُتهم بتسييس العمل البلدي وتحويله إلى ساحة للصراعات الحزبية. فبدلاً من التركيز على البرامج التنموية والخدمات والتخطيط، تنخرط معظم الأحزاب في معارك انتخابية تهدف إلى تعزيز نفوذها السياسي. وهذا حق، لكن تغييب البرامج ينعكس سلباً على أداء المجالس البلدية لاحقاً. وإذ إن العمل السياسي والحشد والتعبئة  في صلب عمل الأحزاب ومشروعيتها، غير أن تطوير طريقة عملها واجب ملحّ، كي يصبح تأثيرها أوسع من الحساسيات والحسابات الضيّقة، فيضع سقوف هوامش مرتفعة للعمل البلدي، ولا سيما أن جوهره إنمائي يلامس هموم الناس ويومياتهم. فالخطاب السياسي في العمل الحزبي واجب، وليس ترفاً، نظراً إلى تأثير الأحزاب في مناصريها وشوارعهم. 

 

من جهة أخرى، للأحزاب وحدها القدرة على تنظيم العمل السياسي وتقديم الدعم اللوجستي للمرشّحين، بالإضافة إلى إمكانية تطوير برامج تنموية متكاملة. لذا، من الضروري أن تعيد الأحزاب النظر في دورها البلدي، وتنتقل من منطق الزبائنية والمحاصصة إلى منطق الكفاءة والشفافية. 

kaidi

الجمعيات والمجتمع المدني: رافعة الوعي والمساءلة

في الأنظمة الديموقراطية، لا يُتَكَل على المؤسسات الرسمية فقط، بل يبرز دور الجمعيات ومراكز الأبحاث كقوة فاعلة في تعزيز الوعي الانتخابي ومراقبة العملية الانتخابية. من خلال التخصّص، والدراسات، وتنظيم ورش العمل، وحملات التوعية، تسهم هذه الجهات في تشكيل الرأي العام، كما تساعد أحياناً في مراقبة الانتخابات، بما يعزز الشفافية والمساءلة. 

 

من هنا، فالمبادرات المستقلة، مثل المنصّات الرقمية التي توفّر معلومات عن المرشّحين وبرامجهم، لها دور مهم في تمكين الناخبين من اتخاذ قرارات مبنية على معلومات دقيقة. لكن هذه الجهود تحتاج إلى أن تكون هي بذاتها إصلاحية ومستقيمة، وإلا أدت عكس دورها المنشود. 

المرجعيات الدينية والاجتماعية وقادة الرأي: تأثير مزدوج

تتمتع المرجعيات الدينية والاجتماعية، بالإضافة إلى قادة الرأي، بتأثير كبير على توجهات الناخبين، خاصة في المجتمعات المحلية. فبينما يمكن أن يسهموا في تعزيز قيم المشاركة والتطوير، قد يتحوّلون إلى أدوات للتأثير السلبي إذا ما استُخدموا لتوجيه الناخبين بناءً على اعتبارات مصلحيّة ضيّقة أو شخصية. 

 

لذلك، من المهم تشجيع هذه المرجعيات على تبنّي خطاب يدعم المصلحة العامة، والابتعاد عن الخطابات غير الناضجة، التي قد تضعف العملية الديموقراطية. 


نحو بيئة انتخابية صحّية

إنّ بناء ثقافة ديموقراطية ناضجة، يتطلب تضافر جهود جميع الأطراف الفاعلة في المجتمع. فالإعلام المهني، والأحزاب المسؤولة، والجمعيات النشطة، والمرجعيات الواعية، جميعها تشكّل عناصر أساسية في تشكيل الرأي العام، وبالتالي خلق بيئة انتخابية تشجّع على المشاركة الواعية وتكرّس مبادئ التنمية والتطور والتقدم. 

وفي ظلّ التحديات التي يواجهها لبنان، من أزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية، تصبح الانتخابات البلدية فرصة حقيقية لإعادة بناء الثقة بالمؤسسات وتعزيز دور المواطن في صنع القرار وقيادة مصيره بيده. ولتحقيق ذلك، لا بدّ من الالتزام بمبادئ الشفافية، والمساءلة، والمشاركة الفاعلة من جميع مكوّنات المجتمع. 

ختاماً، إنّ الانتخابات ليست مجرّد استحقاق دوري، بل هي محطة لتقييم الأداء وتجديد العقد الاجتماعي بين المواطن والدولة، عبر البلدية، التي توقّع باسم الجمهورية اللبنانية.  وبالتالي، فإنّ مسؤولية إنجاحها تقع على عاتق الجميع، كلٌّ من موقعه، لبناء مستقبل أفضل قائم على المواطنة والعدالة والتنمية المستدامة. وإن رأياً عاماً صحياً وقويماً يُنتج بلديات وإدارات ومؤسسات مستقيمة، صحية، فاعلة، نحن بأمسّ الحاجة إليها في بناء غدٍ أفضل لأبنائنا، طالما طال انتظاره.

 

               

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق