نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
لبنان
بين
رحيل
نصرالله
وترتيبات
ما
بعد
الحرب:
من
يمسك
اليد
الأولى؟ - شوف 360 الإخباري, اليوم الاثنين 26 مايو 2025 06:40 صباحاً
محمد سعد عبد اللطيف كاتب وباحث في الجيوسياسية
من رحم حربٍ أهلية مدمّرة، خرج حزب الله، لا كتنظيم سياسي تقليدي، بل ككيان شبه دولتي، مسلح بعقيدة دينية وبدعم إقليمي من طهران، ليعيد صياغة ميزان القوى في لبنان لعقود.لم يكن ظهوره وليد لحظة طائفية فقط، بل نتيجة طبيعية لتفكك الدولة اللبنانية بعد الحرب، وتغوّل الاحتلال الإسرائيلي جنوبًا، وفشل الدولة المركزية في حماية حدودها ومواطنيها.
في لحظة تاريخية حرجة، تقاطع فيها الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب عام 2000 مع الفراغ السيادي للدولة، بدأ الحزب يتمدد لا بوصفه مقاومة فحسب، بل كلاعب داخلي يمسك بخيوط الاقتصاد والسياسة وحتى الإعلام. وتعمق هذا الحضور بعد حرب تموز 2006، حين برز نصرالله كـ"رمز مقاومة" لدى شريحة واسعة من العرب، وكرمز هيمنة لدى خصومه اللبنانيين.
نصرالله: صعود شاب من الهامش إلى رأس الجغرافيا السياسية
لم يكن حسن نصرالله مجرد زعيم ميليشيا، بل صانع سردية كاملة لبنية "المقاومة" في زمن التحلل العربي. شاب خرج من أحياء الكادحين، فجعل من حزبه قوة إقليمية، تخترق الحدود وتُرهب العواصم. ومع كل حرب، كانت صورته ترتفع، ومع كل أزمة لبنانية كانت اليد السياسية لحزبه تتغلغل أكثر في مفاصل الدولة.
ومع تحولات الإقليم، خاصة بعد اندلاع الحرب السورية، تحول الحزب إلى قوة عابرة للحدود، تقاتل على عدة جبهات، وتعيد تموضعها ضمن محور أوسع يمتد من بيروت إلى بغداد، ومن صنعاء إلى دمشق. لكن مع هذا التمدد، بدأ الحزب يخسر شيئًا فشيئًا شرعية الداخل، لصالح وظيفة إقليمية تفوق قدرات لبنان واحتياجاته.
الجيوسياسية الإقليمية: بين المحاور والتسويات
لا يمكن فهم مصير حزب الله خارج السياق الجيوسياسي الذي أعاد تشكيل الشرق الأوسط بعد الثورات العربية والحروب بالوكالة. لقد بات الحزب جزءًا من "محور المقاومة"، الذي شكّل منذ سنوات ثِقلاً في معادلات الإقليم، لكنه اليوم يواجه تحولات عميقة: تطبيع خليجي ـ إسرائيلي، تقارب سعودي ـ إيراني برعاية صينية، انسحاب أمريكي تدريجي، وأزمات داخلية في إيران وسوريا. هذه التحولات تفرض على لبنان ـ شاء أم أبى ـ أن يعيد تعريف موقعه، ليس فقط كبلد ممزق داخليًا، بل كواجهة صراع إقليمي يتغير وجهه باستمرار.
الخيانة العظمى: من الداخل أم من الخارج؟
ثمة أسئلة تُطرح اليوم في بيروت والضاحية والجنوب: هل لا يزال الحزب يعبّر عن نبض الناس، أم أنه بات فوقهم؟ هل تحولت المقاومة إلى عبء؟
kaidiالأزمة الاقتصادية غير المسبوقة، وانفجار المرفأ، والشلل السياسي، وسقوط الطبقة الوسطى، جميعها دفعت بقطاعات من اللبنانيين ـ بمن فيهم جزء من بيئة الحزب ـ إلى مراجعة موقع الحزب في المعادلة. في المقابل، تتربص قوى إقليمية ودولية بكل فرصة لتقليم أظافر الحزب، وتفكيك ما تبقى من نفوذه، ولو عبر خريطة تسويات لا تخلو من الابتزاز.
إن "الخيانة" ـ كما تُوصف في خطاب نصرالله ـ قد تأتي من شقوق الداخل، ومن رهانات الخارج معًا، في لحظة تبدل فيها موازين القوة. فبعد الاتفاق السعودي ـ الإيراني، وتراجع شهية واشنطن في الانخراط المباشر، بات لبنان مسرحًا مفتوحًا لإعادة توزيع الأوراق.
هل يعود لبنان دولة؟ أم يظل خيالًا سياسيًا؟
رحل نصرالله، لكن غيابه وحده لا يكفي لإعادة لبنان إلى حظيرة الدول. فالدولة ليست مجرد غياب رجل، بل بناء مؤسسات، وتوافق داخلي، وتحرر من التبعية الخارجية. ما بعد نصرالله سيشهد صراعًا محمومًا بين قوى داخلية وخارجية للسيطرة على فراغ الزعامة والقرار.
ولعل النموذج العراقي حاضر في الأذهان: حيث غاب نجم كبير، لكن بقيت المنظومة، وتحولت السلطة إلى لعبة مصالح وتجاذبات. فهل يشبه ما ينتظر لبنان ذلك السيناريو؟ أم أن هناك خصوصية لبنانية، قادرة على إنتاج توافق جديد ضمن صيغة "لا غالب ولا مغلوب" كما اعتاد اللبنانيون؟
لمن ستكون اليد الأولى؟
السؤال المحوري الآن: من سيمسك اليد الأولى بعد نصرالله؟ إيران، عبر وكلاء جدد؟ أم واشنطن، عبر إعادة تعويم الدولة المركزية؟ أم تلعب فرنسا دور "القابلة السياسية" لميلاد جمهورية ثالثة؟
ربما يتقدم الجيش، وربما تعود قوى 14 آذار بشكل جديد، وربما تتشكل بنية حكم توافقية جديدة برعاية فرنسية ـ سعودية ـ أمريكية، كما جرى في الدوحة 2008 ولكن بأدوات جديدة.
لكن الأهم، أن يعود اللبنانيون إلى مفهوم الدولة، لا الطائفة، وأن تُكسر هيمنة السلاح غير الشرعي على الحياة السياسية. دون ذلك، سيظل لبنان مجرد خيال سياسي، محكومًا بمناخ إقليمي لا يعترف إلا بالقوة وأدوات السيطرة.
0 تعليق